حمص مدينة الشعراء التي شهدت لها عبقرية نزار قباني عندما قال في إحدى الأمسيات في حمص ( لكم أنا نادم لأني لم أضع هذه المدينة على خارطة تجوالي ..) وهي مدينة الضحك و النكتة وخفة الظل التي تلاعبت بجاذبية نيوتن فتفردت بأوقيتها التي تزن 250 غراما مختلفة عن بقية المدن كما لو أنها حذت حذو عاصيها العاصي لمنطق الأنهار العابرة لسوريا بمجراه المعاكس من الجنوب إلى الشمال وأهم ما تميزت به اعتبار الأربعاء يوما للمرح لتعاكس تقليدا عربيا راسخا آنذاك يعتبر هذا اليوم بالذات يوم شؤم ونحس فيقول ابن الحجاج ( أقول اليوم الأربعاء وقد غدا / على بوجه اغبر اللون قاتم / بعثت علىالأيام نحسا مؤبدا / بشؤمك يا يوم الندى والمتحارم )
وهكذا عششت ليس فقط في الذاكرة الشعبية السورية علاقة حمص بالأربعاء ونوادرها، بل تعدتها الى الصحف العربية و الخليجية و ان لم تصدقوا فقد نشر تقارير عن يوم الاربعاء في حمص حتى في الصحف الاوروبية . ويحكى التاريخ عن حميمة تلك العلاقة و طرافتها حتى بلغت درجة نعت أهل حمص بالمجانين في هذا اليوم وبالمجاذيب بعد التخفيف و التلطف ،إذ كل يوم نسمع عدداً لا يحصى من النكات التي تشير إلى الجدبة الحمصية ، منها الجارح ومنها الظريف ومنها ما قد يكون قد حصل فعلاٌ في مكان آخر ، وهناك إثبات على ذلك ، لكن نسبة الحدث إلى حمص أو أحد الحمصيين ، يساعد الراوي في جعل الابتسامة ترتسم على أفواه المستمعين بصورة مسبقة أي قبل إتمام الرواية. وعندما يبدأ الراوي بنسبة قصته إلى الحمصيين ، فإنه يشير في هذا بأن ما سيقوله نكتة أو طرفة .. وكذلك فإن هذه النسبة تحدد أيضاً نوع الجواب إذا كان السؤال أحجية أو حزورة بايخة .
وأولى الحكايات تروي قصة تيمورلنك عندما اجتاح حلب واستباحها فتداعى أهل حمص للتداول في هذا الخطر الداهم المقبل مع الجحافل التي أحرقت الأخضر واليابس ليجدوا حلا للمأزق كان في غاية الطرافة فاتفقواعلى استقبال التتر في صورة كاريكاتورية فارتدوا أزياء غريبة الشكل مضحكة وراحوا يتفننون في الظهور بمظهر هزلي فعلقوا القباقيب على صدورهم كنياشين وحجبوا وجوههم بالغرابيل اعتمروا الجرار المكسورة واضعين أقراطا في آذانهم بأشكال مختلفة وبدأوا يرقصون في استقبال الجيش بتهريج مفرط بالهزل وبالحركات البهلوانية . وفعل ذلك المشهد الهستيري فعله ورسم علامات البسمة والدهشة على وجوه تيمورلنك ورجاله وهم بوغتوا بغرابة ما يشاهدون فسال عنهم مستشاريه وعرف انه أمام أهل حمص فقدر أن وقته اثمن من أن يضيعه مع هؤلاء المجانين . ونجا الحماصنة بقليل من الجنون ( الذكاء )المدعى وتجاوزوا بطش الباطشين بهذا المشهد الذي أتقنوا تمثيله يوم الأربعاء.
هكذادخلت الطرافة تاريخ حمص لتطغى على الموضوعية أحيانا إذ راحت ترد كل الحوادث إلىأساس طرائفي ويروى أيضا أن أهل حمص صلوا صلاة الجمعة يوم الأربعاء أثناء سيرهم للمشاركة في حرب صفين وهي يصادف الجمعة أحد أيامها مما يمنعهم من أداء الصلاة كما قدروا .
ويذكر أن الأربعاءعيد لأحد آلهة الرومان وكان يحتفل به في منطقة الفرقلس التابعة لحمص العليلة ووصفت بالعليلة لطيب هوائها يصفها ياقوت الحموي بقوله ( ومن عجيب ما تأملت من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب المثل بحماقتهم ) وربما كتب صاحب معجم البلدان ذلك متأثرا بما ذكر من فساد الهواء وبالرجوع إلى التاريخ قد نصدق كلام الرحالة الجغرافي لما عرف عن أهل حمص من شدة تقلب المزاج ومن المعلوم أن أهل حمص اخذوا الفكرة لحبهم النكتة ليس إلا , ذلك أن الضحك كما يقول رومين غراي ( هو علامة الكبرياء والإعلان بتفوق الإنسان على كل ما يحل به )
لكن اصل قصة الجدبة الحمصية تعدو إلى حمص البيزنطية السريانية أي إلى عام 550 م تقريباً ، نجد أنه قدم إلى حمص راهب في الخمسين من عمره وأخذ يأتي بأمور غريبة مضحكة جعلت الناس تشفق عليه وترثي لضعف عقله وتنسب ما تراه فيه من طرق العبادة والتصرفات الغريبة إلى نقص مداركه ، فكان يطوف في الأزقة ، ويرتاد الشوارع وهو يركض ويرقص ويصيح ويقهقه حتى ثبت للجميع أن هذا الراهب شارد العقل ....هذا الراهب أصبح فيما بعد القديس سمعان المتباله ، إنه المؤسس الأول لطريقة تعبد غريبة جداً عن منطقنا اليوم ألا وهي نكران الذات عن طريق التباله ، وهي إحدى طرق العبادة الغريبة جداً التي انتشرت في سوريا في تلك الفترة مثل العمودية وغيرها.
ولكن ماذا عن هذا القديس ؟ … ورد في سير القديسين السنكسار ما يلي : ولد القديس سمعان المتباله… ( أي الذي يدعي البله …) في الرها وكان أبواه من ذوي المكانة العالية والغنى الوافر ، وعني الوالدان بتربية ابنهما سمعان ، وثقفاه على الأخلاق العالية وعلماه العلوم العصرية ثم ذهب سمعان إلى القدس حاجاً يريد حضور عيد رفع الصليب هناك. ولما أتم ذلك ازداد إيمانه فتوجه مع رفيقه يوحنا الذي كان على مثاله ذا ثقافة وفضيلة وتقى، فتجولا في الأراضي المقدسة . ثم قصدا البراري الأردنية حيث النساك يتعبدون في الصحراء ، فراقت لهما هذه الحياة ، وبقيا على هذه الحال 29 سنة، ثم قرر سمعان أن يفارق صديقه يوحنا ويعود إلى حياة الضوضاء، فترك البرية الأردنية وجاء إلى مدينة حمص الجميلة الكبيرة الكثيرة الخيرات والشرور والبركات معاً ….
ولما أتى حمص كان قد تكمّل في القداسة والعلوم الروحية فوق ما كان عليه من الثقافة العالية العالمية فخاف على ضياع كل ما اكتسبه بشق النفس في حياة القفر من فضيلة التواضع ( خاف أن يكون محترماً ) ، فأراد ألا يذهب ذلك الكنز الروحي هباء منثوراً أمام إكرام الناس له وإعجابهم بعباداته وصياماته وسعة معارفه ، فتظاهر بالبله وأخذ يتصرف كما أسلفنا ( كأهبل ) مأخوذ العقل .
إلا أن هذا القديس كان محبوباً لخفة روحه وقد قدم الكثير من المعجزات فشفى المرضى وساعد الناس وتنبأ بأمور حصلت فعلاً . وعرّفه الله على يوم مماته ولكن سره كمصطنع للبله لم يكن يعرفه أحد إلا شماس كنيسة حمص الذي كان يخدمه سراً . وكان الصبية والشبان يجتمعون حوله يضحكون لضحكه ويصفقون لحركاته ويجارونه ركضاً وعدواً ويحملونه على الرقص فيرقصون معه.
واعتاد الناس على حركاته ، فكانوا يعتقدون أن تلك المعجزات إنما كانت بطريق الاتفاق ، أو أن الله كان يمنح المؤمنين بعض النعم بواسطة ذلك الأبله ، وأن جنونه المستعذب الخفيف الظل كان يشفع له لدى العلي ويجعله صاحب كرامة لديه . وهكذا أصبح ذلك القديس العظيم المتواضع المتباله نهراً ثانياً لتلك المدينة الزاهرة ، نهر نعم وبركات روحية كما أن العاصي نهر خيرات وبركات أرضية .
وهكذا كان سمعان معروفاً في مدينه حمص بالرجل الأبله ، أما في حياته الخاصة فكان ذلك الناسك الورع المتعبد ، الكثير الصلوات ، وكان يقتات بما يتصدق به الناس، وبما يجمعه من الأعشاب في البراري ..
لقد لاقت تجربة التزهد هذه عن طريق ادعاء البله رواجاً لفترة من الزمن بعد موت هذا القديس ، وتوسع انتشار هذه الطريقة في العبادة فوصلت إلى قلب أوروبا وإلى روسيا فيما بعد، فنشأ فيها نساك معروفون (بقيت هذه الطريقة في العبادة حية إلى ما قبل الشيوعية في روسيا .. والله أعلم قد تكون عادت اليوم .. بعد أن صار هناك شي يجنن ) فعندما انتشر مبدأ أو طريقة التهابل أو التباله كان للحمصيين الفخر أن يكون مؤسس هذه المدرسة قد اختار مدينتهم لتنطلق دعوته منها ولتحتفظ تربتها برفاته .لقد أصبحت حمص بفعل هذا القديس عاصمة التباله الروحية كما هي حال بعض المدن التي يتخرج فيها عظيمٌ فتصبح محط أنظار مريديه .
وما زال أهل حمص حتى اليوم يكنون للدراويش والمبروكين معزة ومحبة مميزة ، والحمصي الأصيل يربي أولاده على احترام الدراويش وعدم العبث معهم والاستهزاء بهم ويجعل في هذا الاحترام قليلاً من الخوف أيضاً . والكثير من الحماصنة حتى اليوم يعتقدون بالكرامات التي يتمتع بها بعض الدراويش فيتأذى من يستهزئ بهم أو يتهكم عليهم . وما أكثر ذكر الدراويش في القصص والحكايات الحمصية .( وحتى اليوم يلجأ الحمصي إلى الجدبة وقت الإحراج فيقال عند هروبه من الإحراج .. جدبها.. )
هذا الموضوع منقوووووول
من وجهة نظري الشخصية: ارى في مسلسل (عيلة خمس نجوم) في شخصية( فرحان ) تعبير رائع عن البساطة و الفرح و روح المحبة و التواضع و الصدق و كثير من الصفات التي يتسم بها اهل حمص و قلّما نشاهد هذه الصفات مجتمعة و خصوصاً في ايامنا هذه في شخص معيّن . و لعل صدق هذه الشخصية (فرحان) هو اكثر أسباب نجاح هذا العمل(عيلة خمس نجوم) و استمراريته حتى انه مازال يعرض حتى الآن بين الحين و الآخر على بعض القنوات العربية، في حين لم تصل شهرة و استمرارية باقي الاجزاء (عيلة ست نجوم و سبع نجوم....) مثل الجزء الاول و السبب واضح لغياب الدور الحمصي في باقي الاجزاء.
حتى ان أي غريب يقابل شخص من حمص فيسأل الغريب للحمصي من اين هو؟
لا يلبث ان يذكر حمص .... حتى تعلو وجنتي الغريب ابتسامة ،لا يمكن اخفائها، و هذا من تجربتي الشخصية و خلال مروري بأشخاص من دمشق ، حلب ، القامشلي، اللاذقية،طرطوس.......و حتى بعض الأقارب المغتربين خارج الوطن عندم يهاتفونني فأول حديث يبدأون به هو بالسؤال عن الشنكليش الحمصي ، و عطينا آخر نكتة حمصية عندكوووون و يتقهقهون ببعض العبارات الحمصية التي لا يملون من تكرارها مئات و آلاف المرات حتى أن بعضهم جعل من تلك الجمل لازمة في أي حديث لهم . طبعاً انا لا انزعج ابداً من ذلك و حتى انا الذي اقوم بسرد بعض تلك النكت الحمصية لهم ، لانني اكون سعيد جداً بكوننا مصدر سعادة و فرح للآخرين فذلك لا ينقص من قدرنا كما يظن البعض.
وأخيراً.. هذه هي حمص ونحن سكانها الحمصيون المقتنعون بحمصيتنا .. نفتخر بما نتهم به مهما كان أصله وسببه … نفتخر بما نحن عليه الآن ،ونفتخر بطبعنا السمح الذي جعل مدينتا قبلة لكل من يطلب العيش بسلام فنحتضن الغريب ممن ضاقت به حدود وطنه فأراد العيش بيننا … فيصبح كصاحب الدار يقول عندما يستغرب شيئاً (حاجي عاد ) وتنمو فيه روح المحبة ومن ثم وبعد فترة يكون له الشرف أن يصبح حمصياً فيعبر بمقولاته ولهجته عن حمصيته ويرضى بكل سرور أن تلتصق به تهمة الجدبة ويرحب بالتهمة ويفخر بها طالما هو في هذا يحافظ على نسبته إلى حمص والحمصيين .
وهكذا الاقاويل فمن الاصح
وهكذا عششت ليس فقط في الذاكرة الشعبية السورية علاقة حمص بالأربعاء ونوادرها، بل تعدتها الى الصحف العربية و الخليجية و ان لم تصدقوا فقد نشر تقارير عن يوم الاربعاء في حمص حتى في الصحف الاوروبية . ويحكى التاريخ عن حميمة تلك العلاقة و طرافتها حتى بلغت درجة نعت أهل حمص بالمجانين في هذا اليوم وبالمجاذيب بعد التخفيف و التلطف ،إذ كل يوم نسمع عدداً لا يحصى من النكات التي تشير إلى الجدبة الحمصية ، منها الجارح ومنها الظريف ومنها ما قد يكون قد حصل فعلاٌ في مكان آخر ، وهناك إثبات على ذلك ، لكن نسبة الحدث إلى حمص أو أحد الحمصيين ، يساعد الراوي في جعل الابتسامة ترتسم على أفواه المستمعين بصورة مسبقة أي قبل إتمام الرواية. وعندما يبدأ الراوي بنسبة قصته إلى الحمصيين ، فإنه يشير في هذا بأن ما سيقوله نكتة أو طرفة .. وكذلك فإن هذه النسبة تحدد أيضاً نوع الجواب إذا كان السؤال أحجية أو حزورة بايخة .
وأولى الحكايات تروي قصة تيمورلنك عندما اجتاح حلب واستباحها فتداعى أهل حمص للتداول في هذا الخطر الداهم المقبل مع الجحافل التي أحرقت الأخضر واليابس ليجدوا حلا للمأزق كان في غاية الطرافة فاتفقواعلى استقبال التتر في صورة كاريكاتورية فارتدوا أزياء غريبة الشكل مضحكة وراحوا يتفننون في الظهور بمظهر هزلي فعلقوا القباقيب على صدورهم كنياشين وحجبوا وجوههم بالغرابيل اعتمروا الجرار المكسورة واضعين أقراطا في آذانهم بأشكال مختلفة وبدأوا يرقصون في استقبال الجيش بتهريج مفرط بالهزل وبالحركات البهلوانية . وفعل ذلك المشهد الهستيري فعله ورسم علامات البسمة والدهشة على وجوه تيمورلنك ورجاله وهم بوغتوا بغرابة ما يشاهدون فسال عنهم مستشاريه وعرف انه أمام أهل حمص فقدر أن وقته اثمن من أن يضيعه مع هؤلاء المجانين . ونجا الحماصنة بقليل من الجنون ( الذكاء )المدعى وتجاوزوا بطش الباطشين بهذا المشهد الذي أتقنوا تمثيله يوم الأربعاء.
هكذادخلت الطرافة تاريخ حمص لتطغى على الموضوعية أحيانا إذ راحت ترد كل الحوادث إلىأساس طرائفي ويروى أيضا أن أهل حمص صلوا صلاة الجمعة يوم الأربعاء أثناء سيرهم للمشاركة في حرب صفين وهي يصادف الجمعة أحد أيامها مما يمنعهم من أداء الصلاة كما قدروا .
ويذكر أن الأربعاءعيد لأحد آلهة الرومان وكان يحتفل به في منطقة الفرقلس التابعة لحمص العليلة ووصفت بالعليلة لطيب هوائها يصفها ياقوت الحموي بقوله ( ومن عجيب ما تأملت من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب المثل بحماقتهم ) وربما كتب صاحب معجم البلدان ذلك متأثرا بما ذكر من فساد الهواء وبالرجوع إلى التاريخ قد نصدق كلام الرحالة الجغرافي لما عرف عن أهل حمص من شدة تقلب المزاج ومن المعلوم أن أهل حمص اخذوا الفكرة لحبهم النكتة ليس إلا , ذلك أن الضحك كما يقول رومين غراي ( هو علامة الكبرياء والإعلان بتفوق الإنسان على كل ما يحل به )
لكن اصل قصة الجدبة الحمصية تعدو إلى حمص البيزنطية السريانية أي إلى عام 550 م تقريباً ، نجد أنه قدم إلى حمص راهب في الخمسين من عمره وأخذ يأتي بأمور غريبة مضحكة جعلت الناس تشفق عليه وترثي لضعف عقله وتنسب ما تراه فيه من طرق العبادة والتصرفات الغريبة إلى نقص مداركه ، فكان يطوف في الأزقة ، ويرتاد الشوارع وهو يركض ويرقص ويصيح ويقهقه حتى ثبت للجميع أن هذا الراهب شارد العقل ....هذا الراهب أصبح فيما بعد القديس سمعان المتباله ، إنه المؤسس الأول لطريقة تعبد غريبة جداً عن منطقنا اليوم ألا وهي نكران الذات عن طريق التباله ، وهي إحدى طرق العبادة الغريبة جداً التي انتشرت في سوريا في تلك الفترة مثل العمودية وغيرها.
ولكن ماذا عن هذا القديس ؟ … ورد في سير القديسين السنكسار ما يلي : ولد القديس سمعان المتباله… ( أي الذي يدعي البله …) في الرها وكان أبواه من ذوي المكانة العالية والغنى الوافر ، وعني الوالدان بتربية ابنهما سمعان ، وثقفاه على الأخلاق العالية وعلماه العلوم العصرية ثم ذهب سمعان إلى القدس حاجاً يريد حضور عيد رفع الصليب هناك. ولما أتم ذلك ازداد إيمانه فتوجه مع رفيقه يوحنا الذي كان على مثاله ذا ثقافة وفضيلة وتقى، فتجولا في الأراضي المقدسة . ثم قصدا البراري الأردنية حيث النساك يتعبدون في الصحراء ، فراقت لهما هذه الحياة ، وبقيا على هذه الحال 29 سنة، ثم قرر سمعان أن يفارق صديقه يوحنا ويعود إلى حياة الضوضاء، فترك البرية الأردنية وجاء إلى مدينة حمص الجميلة الكبيرة الكثيرة الخيرات والشرور والبركات معاً ….
ولما أتى حمص كان قد تكمّل في القداسة والعلوم الروحية فوق ما كان عليه من الثقافة العالية العالمية فخاف على ضياع كل ما اكتسبه بشق النفس في حياة القفر من فضيلة التواضع ( خاف أن يكون محترماً ) ، فأراد ألا يذهب ذلك الكنز الروحي هباء منثوراً أمام إكرام الناس له وإعجابهم بعباداته وصياماته وسعة معارفه ، فتظاهر بالبله وأخذ يتصرف كما أسلفنا ( كأهبل ) مأخوذ العقل .
إلا أن هذا القديس كان محبوباً لخفة روحه وقد قدم الكثير من المعجزات فشفى المرضى وساعد الناس وتنبأ بأمور حصلت فعلاً . وعرّفه الله على يوم مماته ولكن سره كمصطنع للبله لم يكن يعرفه أحد إلا شماس كنيسة حمص الذي كان يخدمه سراً . وكان الصبية والشبان يجتمعون حوله يضحكون لضحكه ويصفقون لحركاته ويجارونه ركضاً وعدواً ويحملونه على الرقص فيرقصون معه.
واعتاد الناس على حركاته ، فكانوا يعتقدون أن تلك المعجزات إنما كانت بطريق الاتفاق ، أو أن الله كان يمنح المؤمنين بعض النعم بواسطة ذلك الأبله ، وأن جنونه المستعذب الخفيف الظل كان يشفع له لدى العلي ويجعله صاحب كرامة لديه . وهكذا أصبح ذلك القديس العظيم المتواضع المتباله نهراً ثانياً لتلك المدينة الزاهرة ، نهر نعم وبركات روحية كما أن العاصي نهر خيرات وبركات أرضية .
وهكذا كان سمعان معروفاً في مدينه حمص بالرجل الأبله ، أما في حياته الخاصة فكان ذلك الناسك الورع المتعبد ، الكثير الصلوات ، وكان يقتات بما يتصدق به الناس، وبما يجمعه من الأعشاب في البراري ..
لقد لاقت تجربة التزهد هذه عن طريق ادعاء البله رواجاً لفترة من الزمن بعد موت هذا القديس ، وتوسع انتشار هذه الطريقة في العبادة فوصلت إلى قلب أوروبا وإلى روسيا فيما بعد، فنشأ فيها نساك معروفون (بقيت هذه الطريقة في العبادة حية إلى ما قبل الشيوعية في روسيا .. والله أعلم قد تكون عادت اليوم .. بعد أن صار هناك شي يجنن ) فعندما انتشر مبدأ أو طريقة التهابل أو التباله كان للحمصيين الفخر أن يكون مؤسس هذه المدرسة قد اختار مدينتهم لتنطلق دعوته منها ولتحتفظ تربتها برفاته .لقد أصبحت حمص بفعل هذا القديس عاصمة التباله الروحية كما هي حال بعض المدن التي يتخرج فيها عظيمٌ فتصبح محط أنظار مريديه .
وما زال أهل حمص حتى اليوم يكنون للدراويش والمبروكين معزة ومحبة مميزة ، والحمصي الأصيل يربي أولاده على احترام الدراويش وعدم العبث معهم والاستهزاء بهم ويجعل في هذا الاحترام قليلاً من الخوف أيضاً . والكثير من الحماصنة حتى اليوم يعتقدون بالكرامات التي يتمتع بها بعض الدراويش فيتأذى من يستهزئ بهم أو يتهكم عليهم . وما أكثر ذكر الدراويش في القصص والحكايات الحمصية .( وحتى اليوم يلجأ الحمصي إلى الجدبة وقت الإحراج فيقال عند هروبه من الإحراج .. جدبها.. )
هذا الموضوع منقوووووول
من وجهة نظري الشخصية: ارى في مسلسل (عيلة خمس نجوم) في شخصية( فرحان ) تعبير رائع عن البساطة و الفرح و روح المحبة و التواضع و الصدق و كثير من الصفات التي يتسم بها اهل حمص و قلّما نشاهد هذه الصفات مجتمعة و خصوصاً في ايامنا هذه في شخص معيّن . و لعل صدق هذه الشخصية (فرحان) هو اكثر أسباب نجاح هذا العمل(عيلة خمس نجوم) و استمراريته حتى انه مازال يعرض حتى الآن بين الحين و الآخر على بعض القنوات العربية، في حين لم تصل شهرة و استمرارية باقي الاجزاء (عيلة ست نجوم و سبع نجوم....) مثل الجزء الاول و السبب واضح لغياب الدور الحمصي في باقي الاجزاء.
حتى ان أي غريب يقابل شخص من حمص فيسأل الغريب للحمصي من اين هو؟
لا يلبث ان يذكر حمص .... حتى تعلو وجنتي الغريب ابتسامة ،لا يمكن اخفائها، و هذا من تجربتي الشخصية و خلال مروري بأشخاص من دمشق ، حلب ، القامشلي، اللاذقية،طرطوس.......و حتى بعض الأقارب المغتربين خارج الوطن عندم يهاتفونني فأول حديث يبدأون به هو بالسؤال عن الشنكليش الحمصي ، و عطينا آخر نكتة حمصية عندكوووون و يتقهقهون ببعض العبارات الحمصية التي لا يملون من تكرارها مئات و آلاف المرات حتى أن بعضهم جعل من تلك الجمل لازمة في أي حديث لهم . طبعاً انا لا انزعج ابداً من ذلك و حتى انا الذي اقوم بسرد بعض تلك النكت الحمصية لهم ، لانني اكون سعيد جداً بكوننا مصدر سعادة و فرح للآخرين فذلك لا ينقص من قدرنا كما يظن البعض.
وأخيراً.. هذه هي حمص ونحن سكانها الحمصيون المقتنعون بحمصيتنا .. نفتخر بما نتهم به مهما كان أصله وسببه … نفتخر بما نحن عليه الآن ،ونفتخر بطبعنا السمح الذي جعل مدينتا قبلة لكل من يطلب العيش بسلام فنحتضن الغريب ممن ضاقت به حدود وطنه فأراد العيش بيننا … فيصبح كصاحب الدار يقول عندما يستغرب شيئاً (حاجي عاد ) وتنمو فيه روح المحبة ومن ثم وبعد فترة يكون له الشرف أن يصبح حمصياً فيعبر بمقولاته ولهجته عن حمصيته ويرضى بكل سرور أن تلتصق به تهمة الجدبة ويرحب بالتهمة ويفخر بها طالما هو في هذا يحافظ على نسبته إلى حمص والحمصيين .
وهكذا الاقاويل فمن الاصح